ما الذي ستحمله لنا الفيزياء في عام 2015 ؟

ما الذي ستحمله لنا الفيزياء في عام 2015 ؟
منقول من صفحة الفيزيائيون The Physicists على الفايسبوك
https://www.facebook.com/ThePhysicistsArabic?fref=nf



هكذا إذاً، ينتهي العام 2014 بما حمله لنا من مُفاجآت وإنجازاتٍ واكتشافاتٍ علمية وفيزيائية مُذهلة، بعضها كان ضمن ما خُطط له، وبعضها الآخر لم يكن مُخططاً له على الإطلاق. وفي حين تتنافس المواقع والهيئات المُختلفة من أجل تصنيف أهم الإنجازات العلمية الفيزيائية لعام 2014، يتفق معظمهم على أن نجاح مهمة "روزيتا" بتحقيق أول هبوط ناجح لمسبار من صنع بشري على سطح مُذنب، هو الإنجاز الأهم لهذا العام، نظراً للأهمية التّقنية والعلمية التي يحملها هذا الإنجاز، والأبواب الجديدة التي سيفتحها لنا والتي ستُساهم بفهمٍ أفضل لكيفية نشوء وتطور مَجموعتنا الشمسية ونظامنا الشمسي، وربما كوننا ككل.
وربما يمكن القول أن عام 2014 كان عاماً مُميزاً للفيزياء الفلكية ولعلوم الفضاء، فبعيداً عن نجاح مهمة "روزيتا"، فهنالك الأخبار المُتعلقة بنجاح الهند بوضع مركبتها "مانغاليان Mangalyaan" ضمن مدار المرّيخ ومن المرة الأولى، كما قامت اليابان بإطلاق المَهمة الثانية التي تهدف لجلب عينات من الكويكب 1999 JU3، والعودة بالعينات إلى سطح الأرض لدراستها، وهي المهمة الثانية من نوعها والتي أطلق عليها اسم Hayabua 2.
طموح اكتشاف الفضاء قد وصل أيضاً لدولة الإمارات العربية المُتحدة، والتي قامت بإطلاق وكالة الفضاء الخاصة بها، والإعلان عن برنامجها لاسكتشاف المريخ خلال العقد المُقبل. إضافةً لما سبق، فإن الاكتشافات الجديدة من مهمة بلانك قد ساهمت بتأكيد صحة النّموذج المعياري للكون Standard Model of Cosmology، وإضافة قيود جديدة لماهية المادة المُظلمة.
ماذا عن 2015؟ ما هي الاكتشافات الهامة في مجال الفيزياء التي قد نتوقعها؟ وما هي الإنجازات التي قد تحدث خلال هذا العام؟
دعونا نذهب برحلةٍ بسيطة، نستكشف عبرها أهم ما يمكن أن يجلبه لنا عام 2015 في مجال الفيزياء.
1-ليكن هنالك ضوء Let There be Light
هنالك شيء نعرف حدوثه بشكلٍ أكيد: عام 2015 سيكون العام العالمي للضوء وللتقنيات الضوئية والبصرية IYL: International Year of Light. تم تخصيص هذه الفعالية من أجل توضيح كيف يقوم الضوء بالتأثير على كافة جوانب حياتنا اليومية، وسيتم بمشاركة حوالي 100 جهة من 85 بلد مختلف.
تم اختيار عام 2015 ليكون العام العالمي للضوء لأنه يُصادف العديد من التواريخ الهامة، مثل مرور 1000 سنة على نشر ابن الهيثم لاكتشافاته في مجال البصريات، كما أنها تصادف الذكرى المئوية الثانية لقيام أوغستين جان فرينل بنشر ورقته البحثية التي تعرض فكرة أن الضوء هو عبارة عن أمواج، وهي تصادف أيضاً مرور 150 عام على قيام جيمس كلارك ماكسويل بنشر نظريته الكهرومغناطيسية، والتي شكلت معلماً تاريخياً هاماً ساهم بدفع التقنية والعلوم بشكلٍ لم يكن ممكناً من قبل، وساهمت بتأسيس ونشوء العديد من التقنيات التي نعرفها اليوم من الليزر والهواتف الجوالة ومحطات الإرسال وغيرها، فضلاً عن دورها الكبير في تقدم العلوم الفيزيائية.
هل من مزيد؟ طبعاً، فلا يمكننا نسيان الذكرى المئوية لقيام ألبرت آينشتاين بنشر نظريته في النّسبية العامة، والتي سيُخصص احتفالاً بها أحداث خاصة ومميزة.
سيتم بدء فعاليات "العالم العالمي للضوء IYL " بشكلٍ رسمي ضمن مقر منظمة التعليم، العلم والثقافة التابعة للأمم المتحدة - مُنظمة اليونسكو UNISCO - وذلك في مدينة باريس بفرنسا. وكشريك إعلامي رسمي، سيشارك موقع Physicsworld ضمن الفعالية وسيقوم بإلقاء الضوء على العديد من جوانبها المميزة والمقالات والمحاضرات التي ستلقى ضمنها.
2-عدنا للعمل من جديد Back to Work Again
بعد توقفٍ طويل دام حوالي 4 سنوات، يُعاود صادم الهادرونات الكبير LHC التابع للمركز الأوروبي للبحوث النووية CERN عمله، وأصبح الفيزيائيون والمهندسون الآن جاهزين لإعادة تشغيل هذه الآلة الضخمة، لإجراء المزيد من تجارب صدم الجسيمات ضمن أكبر مسرع جسيمات في العالم، بالإضافة لتجاربه (كواشفه) الأربعة الأساسية: ALICE, ATLAS, CMS, LHCb، وذلك بعد برنامجٍ طويل ومعقد هدف إلى تحسين عمل المسرع، وإجراء عمليات الصيانة، ورفع طاقته الكلية إلى 14 تيرا إلكترون فولط.
وبعد فترةٍ طويلة من الرقود، تم تبريد المُسرع إلى درجة حرارة تشغيله الافتراضية، وهي 1.9 درجة كلفن (مطلقة)، أي فوق درجة الصفر المطلق بقليل. من المتوقع أن يتم إطلاق أول حزمة بروتونات ضمن المسرع خلال شهر آذار/مارس من عام 2015، ويأمل الباحثون إجراء أول تجربة إطلاق لحزمتي بروتونات عند طاقة 13 تيرا إلكترون فولط خلال شهر أيار. سابقاً، كان يعمل المسرع عند طاقةٍ كلية تبلغ 7 تيرا إلكترون فولط، أي 3.5 تيرا إلكترون فولط لكل حزمة بروتونات.
خلال التّشغيل الثاني لصادم الهادرونات الكبير، سيستطيع علماء CERN دراسة جسيم بوزون-هيغز بشكلٍ مُفصل أكثر، كما قد يساهم التّحديث الجديد بتسليط الضوء على طبيعة المادة المُظلمة، وتقديم حلول وأجوبة للغز المتعلق بسبب تواجد جسيمات المادة أكثر من تواجد جسيمات المادة المضادة في الكون.
قد يتمكن التشغيل الثاني أيضاً من الحصول على دلائل مُحتملة لنظرية "التناظر الفائق Supersymmetry" والتي تتنبأ بأنه يوجد لكل جُسيم أساسي تم اكتشافه حتى الآن، هنالك "شريك فائق Superpartner" يتمتع بخَصائص مُختلفة.
3-ماذا عن الفضاء؟
بعيداً عن تجارب صدم الجُسيمات عالية الطاقة، فإن عام 2015 سيشهد سلسلةً رائعة من المهمات بمجال علوم الفضاء والفيزياء الفلكية. فبعد سنواتٍ طويلة من التّخطيط، تمكن باحثو وكالة الفضاء الأوروبية ESA من وضع تاريخ إطلاق بشهر تموز/يوليو لمهمة Lisa Pathfinder، والتي ستختبر التّقنيات اللازمة من أجل تطوير الكواشف الخاصة بالموجات التثاقلية Gravitational Waves الناشئة في الفضاء، كما ستقوم وكالة الفضاء الأوروبية بإطلاق مهمة أخرى خلال شهر تموز/يوليو وهي مهمة ADM-Aeolus والتي ستقوم بمراقبة وإظهار الرياح الخاصة بكوكب الأرض.
تعمل أيضاً وكالة الفضاء اليابانية JAXA من أجل إطلاق تسلكوبها الخاص بالأشعة السينية Astro-H، ولن تكون وكالة الفضاء والطيران الأمريكية NASA بعيدة عن مسرح الأحداث الهامة، حيث ستقوم خلال شهر آذار/مارس بإطلاق مهمة MMS: Magnetospheric Multiscale، والتي تتضمن 4 مركبات فضائية واستخدام المجال المغناطيسي للأرض كمختبر من أجل دراسة الفيزياء الدقيقة لثلاثة من عمليات البلازما الأساسية: عودة الاتصال المغناطيسي Magnetic Reconnection، تسارع الجسيمات النشطة Energetic Particle Acceleration واضطراباتها؛ وتهدف دراسة هذه الظواهر إلى الإجابة عن أسئلة هامة: كيف تتصل الحقول المغناطيسية الأرضية مع بعضها البعض وكيف ينقطع اتصالها، وكيف يتم تحرير الطاقة عبر "عودة الاتصال المغناطيسي".
لن ننسى طبعاً في عام 2015 توقع قدوم أنباء هامة ومثيرة من المتجولة المريخية كوريوسيتي، والتي قد تحمل لنا أخباراً جديدة حول حقيقة وجود الحياة على سطح المريخ.
4-أكثر المجالات الفيزيائية نشاطاً وإثارةً للاهتمام
تحدثنا عن التّجارب، والمهمات، والآن يجب أن نتحدث عن المجالات الفيزيائية التي قد تكون الأكثر ازدهاراً خلال عام 2015. وكي نحصل على بعض المساعدة بهذا المجال، يمكننا أن نُلقى نظرة على أكثر مجالات الفيزيائية اهتماماً خلال عام 2014، وذلك اعتماداً على بيانات الاقتباس Citation Data، أي البيانات الخاصة بعدد مرات ذكر كلمات مفتاحية مُعينة خلال عمليات البحث.
وبهذا السياق، فإن الدراسات الخاصة بجسيم بوزون-هيغز قد احتلت المركز الأول، وتلاها الدراسات الخاصة بتحليل بيانات النيوترينو، ومن ثم مجال "الجاذبية الضخمة اللاخطية Nonlinear Massive Gravity". المراكز الستة التالية كلها تتعلق بفيزياء المادة الكثيفة، وحلت تجارب صدم الأيونات الثقيلة النّسبية بالمركز العاشر.
وقد قامت شركة Atlmetric الإنجليزية المتخصصة بنشر قائمتها السنوية لأكثر 100 ورقة علمية اهتماماً خلال عام 2014، وبشكلٍ غريب، فإن ورقةً بحثية تتعلق بمدى تأثر الكلاب بالحقل المغناطيسي للأرض قد حصلت على المرتبة الأولى بالنسبة للمقالات العلمية الفيزيائية.
طبعاً يجب أن يتم ذكر أن هذا التصنيف يعتمد على عدد مرات ذكر الكلمات المفتاحية الخاصة بالورقة العلمية، عدد مرات مشاركة الورقة العلمية على كافة المواقع والمدونات الإلكترونية، وبالتالي فإنه لا يمثل تعبيراً دقيقاً عن الأهمية الفعلية للورقة العلمية نفسها، ولو كان الأمر كذلك، لكانت نصيحتنا للفيزيائيين في عام 2015 هي الاهتمام بدراسة الحيوانات.
5- من سيكون مشهوراً ؟
ماذا عن الشخصيات والعلماء؟ من سيحصل مثلاً على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2015؟
العام الماضي، حصل الفيزيائي أنتون زايلينغر على ترشيحاتٍ قوية جداً ليكون أحد الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء نظراً لإنجازاته الهامة بمجال الحوسبة الكمومية، وعلى الرغم من عدم تمكنه من الفوز بالجائزة، إلا أنه يبقى مرشحاً قوياً ليكون على منصة توزيع جوائز نوبل للفيزياء في عام 2015.
قد نشاهد أيضاً عملاق الفيزياء ستيفن هوكينغ ضمن منصات المشاهير، ولكن من باب السينما، حيث قد يتواجد في شهر آذار/مارس المُقبل أثناء توزيع جوائز الأوسكار، بسبب الفيلم الجديد الذي يروي تفاصيل حياته وعلاقته مع زوجته السابقة جاين هوكينغ.
بعض الأمور قد حدثت في 2014، ولكنها بقيت مُعلقة، مثل إعلان التعاون القائم على تجربة BICEP 2 عن تأكيد وجود الموجات التثاقلية وإثبات تضّخم الكون، والذي تم التشكيك به لاحقاً ليصبح الاكتشاف وتفاصيله محط الدراسة والتمحيص الدقيق لمعرفة ماهية الشيء الذي تم اكتشافه، خصوصاً أن العلماء القائمين على مهمة بلانك قد أعلنوا عن استبعاد هذا الاكتشاف واعتباره خاطئاً، ومع ذلك، لا يزال هنالك أملٌ ضئيل بأن ما تم اكتشافه هو الموجات التثاقلية بالفعل، وهو الأمر الذي ننتظر الحصول على إجابةٍ حاسمة له خلال عام 2015.
هل هذه هي فقط العناوين الأساسية للفيزياء خلال عام 2015؟
حتماً لا، وهنالك بالتأكيد المئات لا بل الآلاف من الأخبار والاكتشافات والإعلانات الهامة التي تنتظرنا في العام المقبل، بعضها مخططٌ له بشكلٍ مسبق، وبعضها سيكون مفاجئاً وصادماً لنا، وقد نشهد اكتشافاتٍ جديدة تغير تماماً من فهمنا للعالم الذي نعيش فيه، أو قد تساهم بخطواتٍ هامة تجاه الإجابة عن العديد من الأسئلة الجوهرية:
كيف نشأ الكون؟ كيف تطور؟ كيف ظهرت الجسيمات؟ كيف تمايزت؟ ما هو شكل الكون؟ هل هنالك أكوان متعددة؟ لماذا لا يوجد رابط بين النسبية والميكانيك الكمومي؟ وغيرها العديد والعديد من الأسئلة التي لطالما شكلت دافعاً لأجيالٍ متلاحقة من العلماء كي يجدوا جواباً لها.
نعلم بشيءٍ من اليقين ما قد يحمله لنا عام 2015، وهنالك تفاصيل واكتشافات مفاجئة. الشيء الوحيد الأكيد، والذي نستطيع الحديث عنه بشكلٍ مريح، أن كل ما ستحمله لنا الفيزياء في هذا العام، سيكون قطعاً إضافية تساهم بإخبارنا حقيقة وجودنا.
ترجمة: ماريو رحال
مراجعة: همام بيطار
تصميم الصورة: Amjed Amj
المصدر: http://goo.gl/MjF9Bg