لماذا لن يكون آينشتاين مخطئاً أبداً ؟

لماذا لن يكون آينشتاين مخطئاً أبداً ؟

الفيزيائيون The Physicists

أحد الفوائد من كَونك عالِم فيزياء فلكية Astrophysicist هو بريدك الإلكتروني الذي يحتوي أسبوعياً على رسالة من شخص يدّعي أنه " أثبت خطأ آينشتاين". هذه الرسالة إما أنها لا تحتوي على معادلات رياضية و تستخدم مُصطلحات مثل "من الواضح أن" أو أنها صفحات كثيرة من المعادلات المُعقّدة مع العشرات من المصطلحات العلمية المُستخدمة في غير موضعها، إلا أني اقوم سريعاً بحذف هذه الرسائل، وهذا ليس لأن العلماء لا يلقون بالاً أو اهتماماً للنظريات الجديدة بل لأن أياً منها لا يفهم أو يعترف بكيفية إحلال نظرية مكان أخرى.

خذ على سبيل المثال, في أواخر القرن السادس عشر كانت هنالك نظرية متعلقة بالحرارة تعرف باسم (السيل الحراري). إن الفكرة الأساسية لتلك النظرية كانت تنص على أن الحرارة هي سائل موجود ضمن المواد. و يتمتع ذلك السائل بخاصية ذاتية التوزع, أي أنه سيحاول أن ينتشر بشكل منتظم قدر الإمكان. لم يكن بوسعنا رؤية ذلك السائل بالعين المجردة, و لكن كلما زاد (السيل الحراري) لمادة ما كلما ارتفعت حرارتها.

انطلاقاً من تلك النظرية نخرج بعدة توقعات لها أثر فعلي على أرض الواقع. بما أنك لا تستطيع خلق أو إفناء "السيل الحراري" فهذا معناه أن الطاقة الحرارية مُصانة. إذا وضعت جسماً بارداً بالقرب من جسم ساخن فإن "السيل الحراري" الموجود في الجسم الساخن سينتشر نحو الجسم البارد حتى يصل كلاهما إلى نفس درجة الحرارة. عندما يتمدد الهواء فإن السيل الحراري الموجود ضمنه يمتد بشكل أكثر رقة و بذلك تنخفض درجة الحرارة. عند إخضاع الهواء للضغط نجد ارتفاع نسبة السيل الحراري في واحدة الحجم، و هكذا ترتفع درجة الحرارة.

نعلم في وقتنا الحالي أنه لا وجود لـ "السائل الحراري". فالحرارة هي خاصية تنتج بفضل الطاقة الحركية للذرات و الجزيئات ضمن المادة. لذلك قمنا بإسقاط المفاهيم الفيزيائية لنموذج "السيل الحراري" على ضوء النظرية الحركية. يمكنك أن تقول: نحن نعلم الآن أن نموذج السيل الحراري خاطئ بالكامل، لكنه بالواقع ليس خاطئاً بالكامل. على الأقل إنها ليست خاطئة بجميع جوانبها.

إن الافتراض الأساسي الذي يقضي بوجود سائل حراري هو افتراض غير مطابق للواقع، لكن التوقعات كانت صحيحة. بالحقيقة، إن نموذج السيل الحراري يظهر تأثيره على أرض الواقع في يومنا هذا بنفس الجودة التي كان يظهرها في الماضي. لكننا توقفنا عن استخدامه لأننا عثرنا على نماذج أخرى تظهر تأثيراً أفضل. إن النظرية الحركية تقدم جميع التوقعات التي قدمتها نظرية السيل الحراري و تقدم المزيد أيضاً. حتى أن تلك النظرية الحركية تفسر لنا أن سلوكية الطاقة الحرارية في مادة ما يمكن تشبيهه بالسوائل.

و هذا هو الشكل الأساسي للنهج العلمي النظري، فإذا كنت تريد أن تستبدل نظرية علمية قوية بنظرية أخرى جديدة، فإن النظرية الجديدة لا بد أن تكون قادرة على تقديم فهم أكثر مما تفعله النظرية القديمة، وعندما تقوم باستبدال نظرية قديمة فأنت تفهم أيضاً حدود تلك النظرية وكيفية التحرك إلى ما بعدها.

و في بعض الأحيان و حتى عندما تحل نظرية جديدة مكان أخرى قديمة, فإننا نستمر في استخدام القديمة، على سبيل المثال قانون الجاذبية لنيوتن; فعندما اقترح نيوتن نظريته العامة للجاذبية في القرن السابع عشر، وَصف الجاذبية باعتبارها قوة الجذب بين جميع الكتل. وهذا سمح لنا بالتنبؤ الصحيح لحركة الكواكب، واكتشاف كوكب نبتون، والعلاقة الأساسية بين كتلة النجم ودرجة حرارته، وأكثر من ذلك. كانت الجاذبية النيوتونية - و ما تزال - نظرية علمية قوية.

و في وقتٍ مُبكر من بدايات القرن العشرين اقترح آينشتاين نظرية مختلفة و المعروفه باسم النسبية العامة General Relativity. إن الفرضية الأساسية في هذه النظرية تقول أن الجاذبية توجد بسبب انحناء الزمان والمكان Space and time بفعل الكتل Masses. و على الرغم من أن نظرية أينشتاين مختلفة جذرياً عن نظرية نيوتن، إلا أن الرياضيات تُظهر أن حلول معادلات نيوتن مقاربة لحُلول معادلات أينشتاين، وكل ما تتنبأ به نظرية نيوتن تتنبأ به أيضاً نظرية آينشتاين. إلا أن نظرية آينشتاين في النسبية العامة تتفوق بعدة نواحي أخرى: فهي تسمح لنا بالنمذجة الصحيحة للثقوب السوداء، والانفجار الكبير، و شكل مدار كوكب عطارد، و تمدد الزمن، و أكثر من ذلك. كل هذا تم التحقق من صحته تجريبياً بشكل دقيق.

إذاً، لعب أينشتاين الورقة الرابحة أمام نيوتن. لكن نظرية أينشتاين أكثر صعوبة في التعامل من نظرية نيوتن، لذلك غالباً ما نستخدم معادلات نيوتن لحساب العديد من الأشياء: مثل حركة الأقمار الصناعية أو الكواكب الخارجية. و إذا كنا لا نحتاج الى دقة نظرية آينشتاين فإننا ببساطة نستخدم معادلات نيوتن للحصول على إجابة جيدة بما فيه الكفاية. ربما يمكننا القول أن نظرية نيوتن "خاطئة"، و لكنها لا تزال مفيدة و دقيقة أكثر من أي وقتٍ مضى.

للأسف فان الكثير من مؤيدي آينشتاين و نظرياته لا يفهمون هذا.

في بدء الكلام نقول أن جاذبية آينشتاين لن يُثبت خطأها بأي نظرية. من الممكن أن يُثبت خطأها بأدلةٍ تجريبية تظهر أن تنبؤات النسبية العامة لا تنطبق على أرض الواقع. إن نظرية آينشتاين لم تحل محل نظرية نيوتن إلا بعد عثورنا على أدلة تجريبية تتوافق مع نظرية أينشتاين ولا تتوافق مع نظرية نيوتن.

لذلك، إذا كنت لا تمتلك الأدلة التجريبية التي تتعارض بوضوح مع ادعاءات النسبيّة العامة، فإن الادعاءات بــ "إثبات خطأ أينشتاين" سوف تَلقى آذاناً صمّاء.

هناك وسيلة الأخرى لتتفوق على آينشتاين، وهي أن تُطور نظرية تظهر بوضوح كيف أن نظرية آينشتاين تتقارب بوضوح مع نظريتك الجديدة، أو أن الأدلة التجريبية التي اجتازتها نظرية النسبية العامة سوف تتمكن نظريتك الجديدة من اجتيازها أيضاً. من الناحية المثالية فإن نظريتك الجديدة سوف تقوم بإنشاء تنبؤات جديدة من الممكن اختبارها بطريقةٍ منطقية، إذا استطعت أن تقوم بذلك و تمكنت من تقديم أفكارك بطريقة واضحة سوف نستمع اليها. نظرية الأوتار String Theory و التدهور الحتمي للجاذبية أمثله من هذه النماذج التي تحاول أن تفعل ذلك تماماً.

ولكن حتى لو نجح شخص في خلق نظرية أفضل من آينشتاين (و من المؤكد أن شخصاً ما سيتمكن من ذلك)، فإن نظرية آينشتاين ستبقى صالحة كما كانت في الماضي. و هكذا لا نكون قد أثبتنا خطأ نظرية أينشتاين، بل نكون قد فهمنا حدودها و حسب.



المصدر:
http://phys.org/news/2014-01-einstein-wrong.html