رحلات الفوتونات عبر الكون تساعد في حل بعض المُعضلات والألغاز الكونية

من طرف **Admin** الجمعة مارس 07, 2014 10:42 am

تدعى الخلفية المتوهجة الباهتة التي نراها في جميع أنحاء الكون بالخلفية الكونية ذات الأمواج القصيرة Cosmic Microwave Background أو CMB، وهي تتشكل أساساً من الفوتونات المنتشرة التي وجدت منذ أن كان عمر الكون 400,000 عام.

أظهر الفيزيائي "لايانغ داي" من جامعة جون هوبكنز John Hopkins في بالتيمور بولاية ميريلاند في ورقةٍ بحثية جديدة أن استقطاب هذه الفوتونات يتغير عند مرورها بمؤثرات (أشياء) مُعينة كأمواج الجاذبية Gravity Waves وتيارات المادة الكونية. أظهرت الورقة أيضاً أن حساب تأثير التّغيرات التي تحدث لاستقطاب هذه الفوتونات قد يُمكّن العُلماء من تقصي أجزاء مختلفة من الكون، ولولا هذه الطريقة كان من الممكن أن تبقى هذه الأجزاء مجهولة.

يقول داي:" إن موجات الـ CMB هي بمثابة إضاءة خلفية للكون. عندما تصل إلينا فوتونات الـ CMB أخيراً، ستكون قد اجتازت حيزاً شاسعاً من الكون، وستكون قد انحرفت عن مسارها وتشوهت بسبب الأشياء والأجسام التي تقبع فيما بين جنبات الكون، مهما كانت طبيعتها. إنها لميّزةٌ عظيمة دراسة وقياس هذه التشوهات والانحرافات في الحرارة أو الاستقطاب على حد سواء، لأننا سنعرف حينها التوزع والتطور لتلك "الأشياء" التي تقبع في المنتصف، وبالتالي نفهم أكثر الكون الحديث".

هذه "الأشياء" التي تحرف فوتونات الـCMB في رحلتها تتضمن بُنى واسعة النطاق للمادة في الكون، وكذلك الأشياء الأقل وضوحاً، كأمواج الجاذبية الأساسية و التيارات الدواميّة للمادة في الكون (الحركة الدائرية التجميعية للمجرات على سبيل المثال).

يقول داي:" أمواج الجاذبية ستُخبرنا الكثير عن البدايات الأولى للكون، والتيارات الدواميّة سَتَكشُف الكثير حول تشكّل بُنية الكون".

تُظهر نتائج داي النّظرية أن هذه "الأشياء" -أي أمواج الجاذبية والتيارات الدوامية - تُشوّه الاستقطاب اللامتناظر للـ CMB . لم يكن حساب هذا الأثر كاملاً في السابق، لكن عمل داي وفّر حِساباً كاملاً وصحيحاً لاستقطاب تأثير الدوران.

يشرح داي قائلاً:" عندما يسافر الفوتون باتجاهٍ مُعين، فإنه سيتذبذب في مستوٍ عمودي على هذا الاتجاه، ولا يزال هناك مستويين مُستقلّين يمكن للفوتونات أن تتذبذب خلالها (نطلق عليهم اتجاهين عرضيين) حيث يتغير استقطاب الفوتون تبعاً للمستوي الذي يتذبذب به. لنفرض أن هناك مصدر بعيد يبعث فوتونات مستقطبة في اتجاهٍ عرضي واحد. في الفضاء المستوي، فإن المستقبلات سترى تماماً الاتجاه المُستقطب كما هو عند الانبعاث. لكن في كونٍ مليء بكل الأنواع من "الأشياء"، والزمكان المنحني بشكلٍ بسيط، فإن المستقبلات سترى اتجاها مُستقطباً مُختلفاً بشكلٍ بسيط عما كان عليه عند الانبعاث. فإذا عرف أحدهم الاتجاه المستقطب الصحيح، سيكون بمقدوره أن يقيس الأثر بمقارنة الفرق بين الاتجاه المستقطب والاتجاه الأصلي. أحياناً لا يمكننا معرفة الاتجاه الأصلي، لكننا نعرف التوزع الاحتمالي للاتجاه المستقطب الأصلي، وفي هذه الحالة سيكون بمقدورنا بطريقةٍ احصائية تحديد ما اذا كان المستوي المستقطب قد تغير اثناء انتشار الفوتونات".

لا يقتصر دراسة تأثير الاستقطاب على فوتونات الـ CMB فقط، بل يُمكن أن ينطبق أيضاً على الفوتونات التي تأتي من مصادرٍ أخرى كإنبعاثات الأمواج الراديوية والكوازارات.

انبعاثات الأمواج الراديوية ذات الطول 21 سم هي أيضاً إنارة خلفية تنير ما في المنتصف، وذلك بشكلٍ مُشابه لموجات الـ CMB، الفرق أنها إشارات كهرومغناطيسية ذات تردد مختلف وأنها تنشأ من أماكن ذات انزياح أقل نحو الأحمر (ظاهرة الـ redshift). لكن يمكن أن تستقطب ايضاً بسبب الانتشار. من هذا المنطلق يمكن أن تنطبق نفس النتائج على هذه الحالة أيضاً.

"على عكس انبعاثات الـ CMB والأمواج الراديوية بطول 21 سم، فإن الكوازارات تمثّل أضواء خلفية نُقطية الشكل" يكمل داي شرحه.

"أحياناً يظهر كوازار وحيد في عدة صور في السماء لأنه يكون خلف تجمع مجرات مثلاً. نطلق على هذا الوضع عدسات قوية Strong Lensing. وتوحي نتائج ورقتي البحث أن الضوء من صورتين مختلفتين للكوازار نفسه سيملك استقطابات مختلفة بشكلٍ بسيط لأن الأضواء من كلتا الصورتين تتبع مسارات مختلفة في الزمكان. على الرغم من أن هذا تأثير ثانوي، إلا أنه من الممكن قياس هذا الفرق بتقنيات التداخل. بالطبع في مثل هذه الحالة، فإن الضوء الخلفي يكشف بُنى الواجهة الأمامية عوضاً عن أمواج الجاذبية".

تقتضي خطة داي في المستقبل أن يستقصي بالضبط الكيفية التي تقوم بها أمواج الجاذبية بحرف وتشويه الفوتونات المسافرة عبر الكون.

يقول داي:"لقد أقيمت العديد من الدراسات على التأثير الهندسي لأمواج الجاذبية، وكيف تحرف مسارات الضوء المنبعث من مصادرٍ بعيدة. على الرّغم من أن هذا التأثير قد يساعدنا في النهاية بتعريف أمواج الجاذبية في الكون، إلا أن عمليات المراقبة لها مُثيرةٌ للتّحدي بشكلٍ كبير. رغم أن الأثر صغير بسبب انخفاض ذروة موجة الجاذبية مع توسع الكون. من الناحية الأخرى، فإن الأثر الحركي لأمواج الجاذبية لم يُدرس بشكلٍ جيد ولم يُفهم بعد. يشرح الأثر الحركي بالأساس كيف تقوم أمواج الجاذبية بتشويه وحرف حركة جسيمات المادة (ما عدا الضوء) مؤثرةً بذلك على التوزع الفيزيائي للمادة، ليس فقط التوزيع الجلي والواضح بالمقارنة مع التأثير الهندسي. من الممكن أن يحدث التأثير الحركي في أوقاتٍ أبكر، وأن يكون مهولاً أكثر. في الخطوة القادمة، أنا مهتمٌ جداً بدراسة هذا الجانب من أمواج الجاذبية، وسأستمر بالبحث عن أمواج الجاذبية في الكون".

المصدر:
http://phys.org/news/2014-02-photons-journeys-universe-unravel-cosmological.html

رابط الدراسة المنشورة في مجلة Physical Review Letters:
http://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.112.041303