البحث عن التناظر الفائق

من طرف **Admin** الأربعاء يناير 07, 2015 5:08 pm

لقد كان اكتشاف بوزون هيجز، الجُسيم الذي يعطي كل الجسيمات المادية كتلتها، اختراقاً علمياً له تبعات عميقة على فهمنا للكون، وبالنسبة للعديد من العلماء فهذه ليست سوى البداية. فعند إعادة تشغيل مصادم الهادرونات الكبير LHC هذه السنة على أعلى مستوى طاقي له لحد الآن، سيكون علماء الفيزياء النّظريون، مثل تشابا تشاكي Csaba Csaki أستاذ الفيزياء بجامعة كورنيل Cornell University، في موقع المراقبة.

في بداية سنة 2014 قام تشاكي مع علماءٍ آخرين بنشر ورقةٍ بحثية في دورية Physical Review Letters اقترحوا فيها حلاً نظرياً لمعضلة قديمة زاد في غموضها اكتشاف بوزون-هيجز، ويتمثل الحل في طريقةٍ للحفاظ على نظرية التّناظر الفائق Supersymmetry، و هي امتدادٌ معروف لنظرية النّموذج المعياري لفيزياء الجُسيمات Standard Model، إلا أن نظرية التناظر الفائق غير مُثبتة بعد بشكل تجريبيّ. قد تُساعد نظرية التّناظر الفائق في تفسير الخصائص الغريبة لجسيم هيجز، والسبب في اختلاف القوتين النوويتين الشديدة والضعيفة عن بعضهما البعض، إضافةً لأصل المادة المُظلمة التي تشكّل تقريباً 25% مما يوجد في الكون.

يُفسر النموذج المعياري ثلاثاً من القوى الفيزيائية الأساسية: القوة النووية الشديدة، القوة النووية الضعيفة، والقوة الكهرومغناطيسية، وتتحكم في التفاعلات بين جميع الجسيمات المعروفة. وتساهم نظرية التناظر الفائق بتعزيز النموذج المعياري عبر إضافة جُسيماتٍ جديدة يعتبر كل منها "نظيراً فائقاً". كل جسيم معروف لديه نظير فائق بخصائص مُماثلة، ولكن بكتلةٍ أكبر وقيمة عزم دوران spin مُختلفة (ملاحظة مهمة: الأمر ليس له أي علاقة إطلاقاً بالجُسيمات المضادة. الاختلاف بين الجسيمات الاعتيادية والجُسيمات المضادة يتعلق أساساً بقيمة الشحنة الكهربائية التي تكون متعاكسة بينهما أو بين مكوناتهما، كما أن المادة المُضادة مثبتة تجريبياً منذ أواسط القرن العشرين ويمكن تصنيعها في المختبرات ـ المترجم).

يعتبر بعض العلماء أنه ينبغي التخلي عن هذه الفرضية بعدما فشل مصادم الهادرونات الكبير في الكشف عن أي نظائر فائقة، حيث أن بعضها، مثل النّظير الفائق للكوارك العلوي top quark المُسمى stop، له كتلة صغيرة بما يكفي ليكون المُصادم قد تمكّن من الكشف عنها بالفعل.

في ورقتهم البحثية، يجيب تشاكي وزملاؤه بأن الجُسيمات قد تكون مخفية بسبب ضوضاء جُسيماتٍ أخرى ناتجة عن اصطدام البروتونات ببعضها بطاقةٍ عالية لم يَسبق لها مثيل.

وتتعلق الفكرة التي قاموا باقتراحها بمفهوم R-parity. للتوضيح: جَميع الجُسيمات المعروفة لديها R=+1 بينما النظائر الفائقة لديها R=-1 وهو ما يعني أن الجُسيمات الفائقة ليس بمقدورها أن تضمحل (تتفكك) فقط للجُسيمات التي نعرفها.

البحث عن النّظائر الفائقة في مصادم الهادرونات الكبير تم بافتراض أن الـ R-parity تبقى دائماً منحفظة. تشاكي وزملاؤه وضعوا إمكانية قد يحدث فيها خرق لقانون انحفاظ الـ R-parity، ما قد ينتج عنه سلسلة من التفاعلات تؤدي لاضمحلال الجُسيمات بشكلٍ لا يُمكن تقريباً الكشف عنه باستخدام المُعاملات الحالية في مصادم الهادرونات الكبير.

ويُعلق تشاكي قائلا: "النتيجة هي أن هنالك طرقاً لإخفاء التناظر الفائق في المصادم. إذا كانت الإشارة غير مُختلفة عن الخلفية، فمن الصعب الكشف عنها، هذه هي المشكلة".

سيقوم مصادم الهادرونات الكبير بالعمل هذه السنة على مستوى طاقي يُعادل 14 تيرا إلكترون فولت* TeV، أي ضعف طاقته في آخر تشغيل له. و قد يؤدي ذلك لإثباتٍ قطعيّ نظرية التناظر الفائق، التي يعتبرها تشاكي "أجمل" امتداد للنموذج المعياري تم اقتراحه لحد الآن، و لكن العلم ينبغي أن يمنح فُرصة لكل الإمكانيات.

ويُضيف تشاكي: "قد لا يكون التّناظر الفائق صحيحاً، ولا بأس في ذلك. ما يهم هو أن تفهم كيف يعمل العلم، وأن تضع أفضل التخمينات المُمكنة، ثم تدع العلماء التجريبيين يقومون باختبارها... ينبغي أن نتأكد من أننا قد بحثنا في كل زاوية، ولا يجب أن نترك نظرية قد تكون صحيحة بسبب أشياء قد تكون مخفية عنا".

*الإلكترون فولت: وحدة طاقية تستعمل في فيزياء الجسيمات و تعادل 1.60217657 × 10^-19 جول.

المصدر:

https://www.facebook.com/ThePhysicistsArabic/photos/a.198105126989872.49889.198101773656874/603750479758666/?type=1&theater

http://phys.org/news/2014-09-cornell-theorists-supersymmetry.html

رابط الورقة البحثية في مجلة Physical Review Letters:
http://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.112.131801