اكتشاف عملية فيزيائية أكثر ندرةً من بوزون هيغز

أعلن مجموعة من العُلماء العاملين بكاشف ATLAS التابع لصادم الهدرونات الكبير LHC - مُسرّع الجُسيمات الأكبر والأعلى طاقةً بالعالم - عن تَمكّنهم من تسجيل الأدلة الأولى لعمليةٍ فيزيائية يُمكن استخدامها لاختبار الآلية التي يقوم بها جُسيم بوزون-هيغز (المُكتشف حديثاً) بإعطاء الكتلة للجُسيمات الأولية الأخرى. العملية التي تم إثباتها حديثاً هي عملية تَشتت جُسيمين مَشحونين من نمط W-Boson (جُسيمات W-Boson هي أحد الجُسيمات الناقلة للقوى النووية الضعيفة) أحدهما عن الآخر، وهي فضلاً عن كونها شديدة النُدرة والحدوث، فهي تقوم أيضاً بتوفير دليل تجريبي صارم على صحة تنبؤات نظرية النّموذج المِعياري لفيزياء الجُسيمات.
هذه الاكتشافات الجديدة، والتي تُشكّل تَوافقاً جديداً مع تبنؤات النموذج المعياري، قد تم نشرها بورقةٍ بحثية نُشرت مؤخراً في مجلة Physical Review Letters.
يقول مارك آندريه بلير - فيزيائي في قسم الطاقة بمختبر بروكهافن الوطني - :" واحد من أصل 100 ترليون تصادم بروتون-بروتون قد يؤدي لإنتاج أحد هذه الأحداث ". لعب مارك دوراً كبيراً في تحليل نتائج كاشف ATLAS والتي أدت لإثبات حدوث هذه العملية النادرة. عندما يتزايد تعقيد الحالات، فإن اكتشاف حدث نادر واحد ليس أمراً كافياً، ويقول مارك آندريه بهذا الشأن :" يجب عليك أن تُشاهد العديد من الحالات كي تتأكد أن مُعدّل إنتاج هذه العملية يفوق أو يتطابق مع التّوقعات. لقد نظرنا عبر المليارات من تصادمات بروتون-بروتون التي تم إنتاجها في صادم الهدرونات الكبير من أجل الحصول على إشارةٍ لأحد هذه الحوادث - أي نواتج تفكك - والتي تسمح لنا بأن نؤكد بطريقةٍ مشابهة لتلك التي يستخدمها شرلوك هولمز بأن ما يحصل هو الحدث الذي توقعناه والذي تتبنأ به النّظريات بالفعل ".
بدأت العمليات والجهود المُشتركة لتحليل المُعطيات منذ عامين، وقد تم إجراؤها عبر مجموعاتٍ خاصة من مختبر لورنس بركلي الوطني بجامعة ميتشيغان، ومن جامعة درسدن التقنية في ألمانيا. النتائج التمهيدية قد تم عرضها من قبل مارك آندريه بلير في مؤتمر "الكروموديناميك الكمومي وتفاعلات الطاقة العالية " الذي جرى خلال شهر آيار/مايو من العام الحالي. أما الآن، فقد تم وضع اللمسات الأخيرة بعد تأكيد مُشاهدة 34 حدث لعملية تشتت جُسيمات W-Boson المَشحونة، وبالتالي فإن مُعدّل التفاعل الذي تم تسجيله يُعطي تطابقاً جيداً مع توقعات نظرية النّموذج المعياري [النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات Standard Model of Particle Physics هي النّظرية التي تصف كافة الجُسيمات الأولية وكيفية تفاعلها، وقد وضعت في سبعينيات القرن الماضي، وتم اكتشاف كافة الجسيمات التي توقعتها النظرية، والتي كان آخرها جسيم بوزون-هيغز].
يقول مارك آندريه بلير :" لقد تمكّنت نظرية النموذج المعياري من تجاوز كافة الاختبارات التجريبية التي تم إجراؤها، ولكننا نعلم الآن أنها ليست مُكتملة، لأن هنالك مُشاهدات لظواهر وحوادث فيزيائية مثل المادة المُظلمة، الطاقة المُظلمة، وعدم تناظر المادة/المادة المضادة في الكون، والتي لا يُمكن تفسيرها عبر نظرية النموذج المعياري ". لذلك، فإن الفيزيائيين يَبحثون دوماً عن طرقٍ جديدة لاختبار النظرية، لمَعرفة أين وكيف ستنهار ويظهر بها النقص.
يقول مارك آندريه بلير :" هذه الحالة من تفاعل جُسيمات W-Bosons لم يكن بمقدورنا أبداً اختبارها، وذلك لأننا لم نكن نتملك طاقة كافية أو حجم معطيات كافي من أجل مُشاهدة هذه العملية النادرة، حتى تم بناء صادم الهدرونات الكبير، وتمكنّا من تحقيق ذلك ".
الآن، ومع الحصول على المُعطيات التجريبية الناتجة عن التّصادمات التي تمت بصادم الهدرونات الكبير، فإن مُعدل التّسجيلات الخاصة بالعملية يتوافق مع التوقعات النظرية السائدة سابقاً ويؤسس لإشارة ذات أهمية تبلغ 3.6 سيغما، وهي تشكل دليلاً قوياً، وفقاً لمارك آندريه بلير. " إن احتمالية أن تكون هذه القياسات عبارة عن تأرجحات وتذبذبات ناتجة عن ضجيج الخلفية هو احتمالٌ ضئيلٌ جداً، وهو يبلغ واحد من أصل 6000 ". على حد قول مارك آندريه بلير. على الرّغم من ذلك، فإن الفيزيائيين يرغبون بأن يكونوا أكثر تأكداً ويقيناً من صحة النتائج والقياسات، عبر جمع المزيد من المعلومات والمعطيات، لتخفيض نسب الشك والارتياب وزيادة درجة أهمية الاكتشاف.
هنالك سببٌ آخر لاستكمال رحلة البحث والتجريب، حيث يقول بلير :" عبر قياس هذه العملية، يمكننا التّحقق من أن جسيم بوزون-هيغز الذي اكتشفناه يقوم بوظيفته كما نتوقع منه أن يقوم بها. هنالك العديد من النماذج بالإضافة لآلية هيغز، والتي تُحاول تفسير كيفية اكتساب الجُسيمات الأولية للكُتلة. عمليات قياس مثل هكذا حوادث لتشتت جُسيمات W-Bosons تشكل اختباراً أساسياً لنّظرية النموذج المعياري ونافذةً لفيزياءٍ جديدة ".
من أجل اختبار آلية هيغز Higgs Mechanism، يقوم العُلماء بمقارنة توزع نتائج التّفككات النّاجمة عن عمليات تَشتت جُسيمات W-Bosons، ومن ثم يقوموا بتسجيل عدد مرّات تكرار مُشاهدتهم لنواتج معينة، عند طاقاتٍ معينة، وعند ظروف هندسية معينة.
" إن الأمر مشابهٌ لبصمة الاصبع. فنحن نتملك بصمة قد تم التوقع بها مُسبقاً، ويوجد البصمة التي قمنا بتسجيلها ومشاهدتها. إذا حصلنا على تطابق بين البصمتين، فإننا نعلم أن جُسيم بوزون-هيغز يقوم بوظيفته في إنتاج الكتلة، بالشكل الذي نعرفه والذي يجب أن يقوم به. إذا حصلنا على انحرافات، عندئذٍ، فإننا سنعلم أن آلياتٍ فيزيائية أخرى تؤثر بالعملية لأن جسيم بوزون-هيغز لم يَقُم بالعملية وحده كما كنا نتوقع".
ومرةً أخرى حتى الآن، تُشير المُعطيات إلى أن جسيم بوزون-هيغز يتصرف كما هو متوقع وكما تشير نظرية النموذج المعياري.
" للمرة الأولى، يُمكننا أن نستبعد بعض النماذج أو التّوقعات التي لم يكن من الممكن استبعادها مُسبقاً ". كما يقول بلير، ويتابع توضيحه :" من أجل إكمال المهمة، نحتاج للمزيد من المُعطيات المستحصلة عند طاقاتٍ مُرتفعة أكثر، وبالتالي نستطيع مشاهدة البصمة بشكلٍ أكثر وضوحاً ".
سيستأنف صادم الهدورنات الكبير LHC عمليات تسجيل المُعطيات في العام المقبل، بعد أن تم زيادة طاقة التصادمات إلى 13 تيرا الكترون فولط، بعد أن كانت 8 تيرا الكترون فولط قبل عملية إيقافه. هذا يعني أن المعطيات التي سيتم جمعها ستصبح أكبر بحوالي 150 مرة من تلك التي كان يتم جمعها سابقاً، مما يعني المزيد من التفاصيل والمزيد من الدقة في مشاهدة كيفية عمل جسيم بوزون-هيغز.

المصدر:
http://phys.org/news/2014-07-physicists-rarer-long-sought-higgs-particle.html
يمكنكم الاطلاع على الورقة البحثية المنشورة في مجلة Physical Review Letters:
http://arxiv.org/abs/1405.6241